آمنت بالحسين

الشاعر/محمد مهدي الجواهري

تـــــنور بــالأبـــلــــــــــــــــج الأروع1

 

فداءً لمثـــواك مـــن مضجـــــــــــــع 

روحاً، ومن مسكها أضـــــــــــوع2

  بأعــبق من نفحات الجنـــــــــــــــــــا ن
 وسقياً لأرضــــــــــك مـن مصــــرع3   ورَعياً ليومـــــــــــك يـــوم الطفــوف
على نهجك النيّــــر المهــــــــــيــــع4   وحُزناً عليك بحـــبـــــــــــس النفوس
بما أنت تأبــاه مــــن مُبـــــــــــــــدع5   وصوناً لمجدك من أن يُــــــــــــــــذال 
ـن فذاً، إلى الآن لــــم يشــــفـــــــــــع   فيا أيها الوتـــــــــــر في الخــالـــــديـ 
للاهين عــن غــــدهم قــُنــــــــــــــــَّع   ويا عظة الطامحيـــــــــــن العظــــــام 
وبورك قبــرك مــــن مفـــــــــــــــزع   تعاليت من مفـــــــــــزع للحتـــــــوف 
على جانبيـــه ومــــن رُكّـــــــــــــــع   تلوذ الدهــــــــــور فمـــــن ســـجــّـــد 
نسيم الكرامـــة مــــن بلقـــــــــــــــع   شممت ثراك فهــــــبّ النســـــــــــيـــم
ح خدّ تفرّى ولـــــم يضـــــــــــــــرع   وعفـّرتُ خدّي بحيـــث استــــــــــــــرا
ة جالت عليه ولــــم يخشـــــــــــــــع   وحيث سنابـــــــــــك خيـــــل الطغــــــا 
بروحي إلـــى عالــــم أرفـــــــــــــــع   وخلتُ وقد طارت الذكـــــريــــــــــــات
بصومعة الملهـــــم المبـــــــــــــــدع   وطفت بقبرك طـــــــــــوف الخيـــــــال 
ـح حمراءَ مبتورة الإصــــبـــــــــــع6   كأنّ يداً مــن وراء الــــضـــــــــــريــــ 
ع والضيم ذي شرق مُتــــــــــــرع7   تمدُّ إلى عــــالـــــمٍ بالخـــنــــــــــــــــو 
على مذئب منه أو مسبـــــــــــــــع8   تخبّط في غابـــــة أطبـــــقــــــــــــــــت
بآخر معشوشــــب ممـــــــــــــــرع   لتبدل منه جديــــــب الضـــــــــــميــــــر
رَ خوفاً إلى حــــــرمٍ أمــــنـــــــــــع   وتدفع هذي النفــوس الصـــــــــــغــــــا

* * *

فإن تـــدجُ داجيــــة يلـــــــــــمــــع   تعاليتَ من صاعـــــق يلتـــــــــــــــــظي 
لم تـُنْءِ ضيراً ولـــــــــــم تنفــــع9   تأرّم حقداً علـــــى الصاعـــــقـــــــــــات 
وقــد حرّقتــــه ولـــــــــــم تــــزرع   ولم تبذر الحبّ إثــــر الهشــــــــــــــــيم 
ولم تأتِ أرضاً ولـــــــــــم تـُدْقِــــع   ولم تخل أبراجـــــــــــها في السمــــــاء 
وغلّ الضمائـــــــــــر لـــم تنــــزع   ولم تقطع الشـــــــــــرّ مــــــن جِذمـــــه 
عليه من الخلـق الأوضــــــــــــــع   ولم تصدم الناس فيمــــــا هــــــــــــــــم 
يدور على المحــور الأوســــــــــع
  تعاليـــــت مــــن (فلك) قطــــــــــــــــره 
ضماناً على كل مـــا أدّعــــــــــــي   فيابن البتول وحــــــســـــــــــبي بــــــها
كمثلك حـــملاً ولم تــــــــــرضــــع   ويابن التي لم يضـــــع مثلـــــــــــــــــها 
ويابن الفتى الحاســــــــــر الأنزع10   ويابن البطـــــين بلا بـــطـــــــــــنــــــةٍ 
بأزهر منك ولـم يــــــــــفــــرع11   ويا غصن هاشـــــم لــــــــــم ينفتــــــح
ختام القــــصيدة بالمطــــــــــلــــع   ويا واصلاً من نشـــيد الخــــــــــلـــــود
ن من مسـتقيم من أظـــــــــــلع12   يسير الــــــــــورى بركــــــاب الزمـــــا
د مـا تستجـــــدّ له يَتـْبَــــــــــــــع   وأنت تـُسيِّرُ ركـــــــــب الخــــــلــــــــــو 

* * *

وردّدت صوتك في مســــــــــمعي   تمثــّلتُ يومـــــكَ فـي خــــــــــاطــــــري
بنقل الــــرواة ولــــــــــم أخــــدَع   ومحّصتُ أمــــــــركَ لم أرتـــــهـــــــــب 
بأصداء حـــادثك المفجــــــــــــــع   وقلتُ: لعــــــلّ دويّ الســنــيــــــــــــــن 
ة من مرسلــين ومن سُجّــــــــــع   وما رتـّل المخلصون الــــــدعــــــــــــــا 
والصبح بالشعــــر والأدمــــــــــع   ومن ناثـــــــــرات عــليـــــك المســـــاء 
على لاصق بك أو مدّعـــــــــــــي   لعلّ السيــاســـــة فيـــــــــمـــــا جـــــنت
بحبل لأهليــــك أو مقــــــــــطــــع   وتشريــــــــــدها كـــــــلّ مـــــن يدّلـــــي 
ولوعاً بكلّ شجّ مــــولــــــــــــــع   لعلّ لـــــــذاك وكـــــون الشجـــــــــــــــيّ
ـسين بلون أُريد له مــمتـــــــــــع   يداً في اصطباغ حديـــــــث الحــــــــــــــ 
يدُ الواثق الملجأ الألمعـــــــــــــي   وكانــــت ولـــــمّا تـــــزل بـــــــــــــــرزةً
وكيف، ومهما تـُرد تصنــــــــــع   صناعاً متى مــــا تـُـــــرِدْ خُـــــطّــــــــــةً 
وستر الخداع عن المخـــــــــــدع   ولما أرخـــــت طـــــلاء القــــــــــــــرون 
بغير الطبيعــــة لم تطــــبــــــــــع   أريدُ الحـــــقيقـــــة فـــــي ذاتــــــــــــــها
بأعظـــــــم منهــــــــــا ولا أروع   وجــــــــــدتـــــك في صـــــورة لــــم اُرعْ 
ن لحمك وقفاً على المبضـــــــــع   وماذا ! أأروع مـــــن أن يكــــــــــــــــــو 
ضميـرك بالأســــل الشُــــــــــرّع   وأن تتقي ـ دون مــا تـــــرتــــــــــــــأي 
من الأكهلين إلى الـــرضّــــــــــع   وأن تـُطعِم الموت خيـــــر البــــــــــنيــــن 
وخير بني الأب مــــن تـبَّــــــــــع   وخير بنــــــي الأمّ مـــــن هــــــــــاشـــــمٍ 
ر ، كانــــوا وقــــــاءك، والأذرع   وخير الصحـاب بخيـــــر الصـــــــــــــــدو
ثــــيــاب التقــــاة ولـــــــــــم أدَّع   وقدّســـــــت ذكـــــراك لم أنتحـــــــــــــــل 
ـوك يضجّ بجدرانــــــه الأربـــــع   تقحّمْتَ صدري وريــــــبُ الشـــــكــــــــــ 
عليّ من القلــــــــق المـفـــزع13   ورانَ سحاب صفـــــــيــق الحــجــــــــاب
والطيبــــيـــــن ولــــــم يقشــــع   وهبّت ريـــــــاح مـــــن الطـــــــــيبـــــات
تأبّى وعاد إلى مـوضـــــــــع14   إذا ما تزحــــــزح مـــــن مـــــــــوضـــــع 
ـجدود إلى الشكّ فيما مــــــــعي   وجازَ بي الشـــكّ فيمـــــا مــــــع الـــــــــ
ـل من مبـــــــدأ بـــدم مشــــبــــع   إلــــــى أن أقمـــــت عليـــــــه الدلــــيـــ
وأعطاك إذعانــــة المهطـــــــــــع   فأسلمَ طـــــوعـــــاً إليـــــك القـــــــيــــاد
وقوّمت ما اعــــوجّ من أضلــــعي   فنوّرتَ ما اظلمّ مـــــن فـــكــــــــرتـــــي 
سوى العقل في الشكّ من مرجــع   وآمنـــــــت إيـــــمان من لا يـــــــــــرى
وفيـــض النــــــــبوة، من منبـــــع   بأنّ الإبــــاء، ووحـــــي السمـــــــــــاء،
تنزّه عـــــــن عَــــرَض المــطمـــع   تجمّــــــع في جــــوهـــــر خـــــالـــــص 
     

(1) الأبلج: الوضاء الوجه. والأروع: المعجب بشجاعته أو حسنه.

(2) الروح هنا نسيم الريح. وضاع: من ضاع المسك يضوع إذا عبقت رائحته.

(3) الطفوف: هي الأراضي المشرفة من جوانب الشواطيء، وهي تطلق بصورة خاصة على ما أشرف من أراضي الغاضرية ـ وهي مدينة كربلاء الآن ـ على نهر الفرات وفيها مصرع الحسين الشهيد وآله وأبنائه عليهم السلام.

(4) المهيع: البيّن الواضح.

(5) يذال: يهان. المبدع بفتح الدال من البدعة.

(6) مبتورة الاصبع: هي يد الحسين عليه السلام وقد بترت اصبعه بعد مقتله.

(7) ذو شرق: ذو شجا وغصة.

(8) مذئب ومسبع: كثير الذئاب والسباع.

(9) التأرم: حك الأسنان بعضها ببعض من الغيظ، أي أنك تتحرق إذ ترى الصاعقات لا تدفع ضراً ولا تجلب نفعاً.

(10) الأنزع: من انحسر الشعر عن جانبي جبهته. وكان يقال للإمام علي عليه السلام الأنزع البطين.

(11) لم تنون هاشم للضرورة فجرت بالفتحة.

(12) ظلع بالظاء: عرج وغمز في مشيه، وضلع بالصاد: مال وجنف.

(13) ران: غطى وأطبق.

(14) تأبى: أبى وامتنع.