مـــولــد الــنــور

وإلان .. لنستمع إلى أحداث تلك الليلة التاريخية السعيدة ـ ليلة ميلاد قائم آل محمد (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ـ تحدثنا عن مسلسل الأحداث تلك، السيدة حكيمة ابنة الإمام الجواد، وأخت الإمام الهادي، وعمة الإمام العسكري (عليهم افضل الصلاة وأزكى السلام):

(قالت: بعث إلي أبو محمد الحسن بن علي فقال: يا عمة اجعلي إفطارك الليلة عندنا، فإنها ليلة النصف من شعبان، وان الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة، وهو حجته في أرضه.

وفي كتاب الغيبة: (فان الله عز وجل سيسرك بوليه وحجته على خلقه، خليفتي من بعدي) .

وفي رواية: (فانه سيولد ـ الليلة ـ المولود الكريم على الله عز وجل، الذي يحيي الله عز وجل به الأرض بعد موتها).

قالت: (حكيمة) : فقلت له : ومن أمه؟

قال لي: نرجس.

قلت له : جعلني الله فداك، ما بها اثر.

فقال: هو ما أقول لك.

قالت: فجئت، فلما سلمت وجلست، جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيدتي وسيدة أهلي كيف أمسيت؟

فقلت : بل أنت سيدتي وسيدة أهلي.

فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمة ؟.

فقلت: يا بنية إن الله سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة، فجلست واستحيت.

فلما إن فرغت من صلاة العشاء الآخرة، أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت، فلما إن كان في جوف الليل، قمت إلي الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثم جلست معقبة، ثم اضطجعت، ثم انتبهت فزعة، وهي راقدة ثم قامت فصلت.

وفي رواية: فوثبت سوسن فزعة، وخرجت واسبغت الوضوء، ثم عادت فصلت صلاة الليل حتى بلغت الوتر، فوقع في قلبي إن الفجر قد قرب فقمت لأنظر، فإذا بالفجر الأول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد فناداني من حجرته: لا تشكي (وفي رواية: لا تعجلي يا عمة فان الأمر قد قرب) ، فاستحييت من أبي محمد ومما وقع في قلبي ورجعت إلي البيت ـ أي الحجرة ـ وأنا خجلة (وفي رواية: فجلست وقرأت ألم السجدة ويس) فإذا هي ـ أي السيدة نرجس ـ قد قطعت الصلاة، وخرجت فزعة، فلقيتها على باب البيت (أي الحجرة) فقلت لها : هل تحسين شيئاً ما قلت لك ؟.

قالت: نعم يا عمة إني أجد أمراً شديداً .

قلت: اسم الله عليك، اجمعي نفسك، واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك، لا خوف عليك إنشاء الله، فآخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت أجلستها عليها وجلستُ منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة.

فقبضت على كفي وغمزت غمزاً شديداً، ثم أنت أنة وتشهدت.

فصاح بي أبو محمد: أقرئي عليها )إنا أنزلناه في الليلة القدر فأقبلت اقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها، يقرأ كما اقرأ، ففزعت لما سمعت.

فصاح بي أبو محمد: لا تعجبي من أمر الله (عز وجل) إن الله (تبارك وتعالى) ينطقنا بالحكمة صغاراً ويجعلنا حجة في أرضه كباراً، فلم يستتم الكلام حتى غيبت عني نرجس فلم أرها، كأنه ضرب بيني وبينها حجاب، (وفي رواية: ثم أخذتني فترة أخذتها فترة) فعدوت نحو أبي محمد وأنا صارخة.

فقال لي: ارجعي يا عمة فانك ستجدينها في مكانها.

فرجعت فلم البث إن كشف الحجاب الذي كان بيني وبينها، وإذا أنا بها وعليها من اثر النور ما غشي بصري، وإذا أنا بولي الله (صلوات الله عليه) متلقياً الأرض بمساجده وعلى ذراعه الأيمن مكتوب: )جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً(، وهو ـ أي الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) حالة سجوده ـ يقول: (اشهد إن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وان جدي محمداً رسول الله، وان أبي أمير المؤمنين ولي الله ـ ثم عدّ ألائمه إماما إلي إن بلغ إلى نفسه ـ ثم قال: اللهم أنجز لي ما وعدتني أتم لي أمري، وثبت وطائي واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً).

ثم رفع رأسه من الأرض وهو يقول: (شهد الله انه لا اله إلا هو والملائكة وأولو العلم، قائماً بالقسط، لا اله إلا هو العزيز الحكيم، إن الدين عند الله الإسلام).

ثم عطس فقال: (الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله، زعمت الظلمة إن حجة الله داحضة، لو أذن لنا في الكلام لزال الشك).

قالت حكيمة: فأخذت بكتفية، فضممته إلي، أجلسته في حجري، فإذا هو نظيف منظف، فصاح بي أبو محمد: هلمي إلي بابني يا عمة، فجئت به إليه، فأجلسه على راحته اليسرى وجعل راحته اليمنى على ظهره، ثم ادخل ـ الإمام العسكري ـ لسانه في فيه وأمرّ يده على رأسه وعينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال: تكلم يا بني!! .

وفي رواية : يا بني انطق بقدرة الله، تكلم يا حجة الله، وبقية الأنبياء، وخاتم الأوصياء، تكلم يا خليفة الأتقياء..

فتشهد (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الشهادتين، وصلى على النبي و الأئمة الطاهرين واحداً واحداً، ثم سكت بعد وصوله إلي اسم أبيه، ثم استعاذ من الشيطان الرجيم وتلى هذه الآية:

)بسم الله الرحمن الرحيم ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون(.

فناولنيه أبو محمد وقال: يا عمة رديه إلي أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن اكثر الناس لا يعلمون.

(وفي رواية أخرى ثم قال ـ أي الإمام العسكري ـ امضي به إلي أمه ترضعه ورديه إلى.. فرددته إلي أمه، وقد انفجر الفجر الثاني، فصليت الفريضة …).

وفي رواية أخرى: (فتناولته أمه، فأرضعته، فرددته إلي أبي محمد والطير ترفرف على رأسه…).

وهذه المقاطع التاريخية النادرة تحتوي على كنوز من الحقائق، وتتكشف عن مجموعة كبيرة من المعارف والدروس ومكارم الأخلاق والكرامات والألطاف الإلهية الجلية والخفية، وسيستغرق الحديث المتأمل عن كل فقراتها صفحات كثيرة، عسى إن يوفقنا الله تبارك وتعالى للحديث عنها في كتاب قادم ـ بأذنه تعالى ـ عن الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) باعتبارها أحاديث تتعلق به صلوات الله عليه مباشرة.

وفيما يتعلق بالسيدة نرجس، والدته (عليها السلام)، فقد جرى الحديث في مواضع عديدة من هذا الكتاب، عن عدد من تلك الفقرات التي كانت تتعلق بها مباشرة.