يا لِحزني ووحدتي واغترابي
حين أُدلى في حفرتي في الترابِ

أَوَ تأتي إليّ في القبرَ حقًا
وأنا من أنا وبي كُلُّ ما بي

أَوقَرَت ظهريَ الذنوبُ وما لي
ما يَقيني غدًا أليمَ العَذابِ

ليس لي غيرُ دمعتي وقَصيدي
وانتمائي إليكمُ وانتسابي

==================

بِسْم الله الرحمن الرحيم

(فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ)

==================

نوالُك من دنيا الهوانِ اجتنابُها
وأخشى الذي تخشاه منها ثوابُها

ستأتي فلا يغررك أنْ سالَ شهدُها
فما لذَّ إلا مرَّ ضعفين صابُها

وليس بمذمومٍ عليك ابتعادُها
وليس بمحمودٍ إليك اقترابُها

وإن حدثتك النفسُ يومًا لرغبةٍ
فحسبُكَ ما أحصى عليها كتابُها

تُريدُ من الأيامِ ما لا ينالُه
أخُو رغبةٍ إلا رَمَتهُ حِرابُها

وحسبك منها أن ترى البرقَ خُلّبًا
وفي بلدة أخرى يصُوبُ سحابُها

فلا هيَ إن أعطتك أوفت بنيلها
وإن منعت ما فات منك مآبُها

فدع ما ترى منها وإن راقَ سانِحٌ
وذلّت إلى ما تشتهيهِ صعابُها

فما المجدُ في نيل الأماني ذلولةً
تواتيك إلا ما يعزُّ طِلابُها

وكل امرئٍ يمضي على قدر عزمه
وقد تَعظُمُ الصُّغرى على من يَهابُها

ومن رامَ من عُصْمِ الجبالِ أَشَمَّها
يهون عليه سهلُها وهضابُها

وقد يطلبُ العلياءَ من يبتغي العُلى
فكيف بمن هُم مِن ذُراها قِبابُها

ألا أَبلِغ الأخيارَ أني قصدتُّهم
وهُم للورى من رحمة الله بابُها

شَدَدتُ رحالي نحوهم بعد جفوةٍ
ثلاثةُ أحوالٍ شديدٌ عِتابُها

فلما بلغنا حيث تهفو إليهمُ
قوادِمُ من نسجِ الحديدِ إهابُها

مُنِعنا بلا عُذرٍ وعدتُّ وصاحبي
وحَلَّقَ عنا في السماءِ عُقابُها

فَما حسرةُ الملهوفِ أودى به الأسى
وشابَ من التّسئال والنَّفسُ دابُها

وكان له من قبلُ وِلدٌ تُخُطِّفوا
صغارًا ونفسٌ قد تولى شبابُها

وقِيلَ له من بعد عشرين حِجّةً
بنوكَ بأنواءٍ بعيدٍ شِعابُها

ودونك عنها لو جَهِدتَّ على السُّرى
مسيرةُ شهرٍ ثُمَّ يُوصَدُ بابُها

فأَمطى لها تسعًا وعشرين ليلةً
مُغِذًّا ولم يُنكَر عليه حسابُها

فلمّا تراءى من بعيدٍ سوادُها
ولم يبقَ إلا بين قوسين قابُها

كبَت من هلاك الوَخدِ ضُمرُ ركابِهِ
وأضحى بمَوماةٍ يَؤُجُّ التهابُها

فسارَ لها نصفَ النهارِ مُهروِلًا
وأَتبَعَ ركضًا حين غاب سرابُها

فلمّا أتاها قِيلَ عنها تَرَحّلُوا
ولم يُدرَ أين العِيسُ تُزجى رِكابُها

وصُدَّ فلم يَدخُل فيأتي ديارَهم
فيُهنِيهِ من أُنسِ الحبيبِ خرابُها

بأوجعَ مني حسرةً حين أرجعوا
متاعي وقد يشفي غليلي ذهابُها

فلا والذي نفسي فداءٌ لتُربِهِ
وتلك يمينٌ لا يَحِلُّ كِذابُها

يَعُوْقَنَّني عن قصدِهِ أيُّ حاجزٍ
سوى أن يواري نفسَ حُرٍّ ترابُها

ولا أنتهي عن مجلسٍ فيه نُدبةٌ
به النفس تفنى ثم يُرجى إيابُها

لتَهلِكَ فيه مرةً بعد مرةٍ
فيبقى ليوم الحشرِ فيه انتحابُها

تودُّ جِنانُ الخلدِ لو أنّ فَرشَهُ
أرائكُها أو يُبدِلَ البابَ بابُها

فيا ناعيًا فيه الحسينَ قتلتني
أعِد ولْيَطِر من كلِّ نفسٍ لُبابُها

إذا ما نعى الناعي على السِّبطِ أغدقت
سحائبُ حزنٍ طال فيه انصبابُها

ولم تبكِ من قبلُ السماءُ لميِّتٍ
فلما قضى فالنوحُ مُذّاك دابُها

قضى والتُّقى في ساعةٍ يومَ كربلا
فلا بَعثَ إلا أن يُوفّى حسابُها

دعتهُ وقد ماتت شريعةُ جدِّهِ
وأعظمُ داعي دعوةٍ مُستجابُها

فلبّى ولبّت خلفَه خيرُ عصبةٍ
تفانوا فداءًا شيبُها وشبابُها

غِضابٌ يَفِرُّ الجَمعُ من هولِ بأسِهم
وأجملُ ما في الأسد روعًا غضابُها

أشدّاءُ في الهيجا خِفافٌ لدى النَّدى
تُحَرِّضُ أيَّ الخصلتين تُصابُها

كذاك صلالُ الرمل يُرديكَ لدغُها
ويُعطيك طِبًّا للسُّقامِ لُعابُها

وهُم سُفُنُ الهيجاءِ في كلِّ مَعرَكٍ
إذا عَبَّ من موجِ السيوفِ عُبابُها

أثاروا بِقَرعِ المشرفيات ضجةً
تجلجَلَ بين الخافقَين اصطخابُها

ومن تحتهم لليعرُبيات رجفةٌ
لها الأرضُ يوم الطف كاد انقلابُها

إذا الفردُ منهم صال قِيلَ كتيبةٌ
وأنّى مشت في الحرب صُبَّ عذابُها

مضوا بالنُّفوسِ الخَيِّراتِ فلم يكُن
لِيُعرفَ بَعدَ الطَّفِّ من هم صِحابُها

ومُستَنجِدٍ في الحربِ لم يَلقَ ناصِرًا
وحيدٍ عليه الأرضُ ضاقت رحابُها

ثنى عِطفَهُ للحربِ وهو ابنُ ليثِها
فَمُذ لاحَ فيها لاحَ فيها اضطرابُها

يُغالب في الهيجا ثلاثًا على الوَنى
له اللهُ مَقصُودَ المنايا مُهابُها

فَشَمسٌ وحربٌ والظَّما في فؤادِه
ويُعيِيهِ من أيِّ الثلاث غِلابُها

فَهَلَّا أظلَّتْهُ غمامةُ جدِّهِ
وهل هي إلا منه يُنشَا سحابُها

وهلا أتاه حيدرٌ يدفعُ العدى
وكم قبلُ في مَلقاهُ ذَلَّت رِقابُها

وهَلّا سقاهُ الماءَ كوثرُ أمه
فيُطفَأُ من واري حشاهُ لُهابُها

بنفسي وحيدًا في الوغى فرخُ أحمدٍ
عليه استدارت كلَّ صوبٍ ذئابُها

يَرى عُصبةً من أهله ورجاله
أضاحٍ على الرمضا أُبيحَ استلابُها

تعصَّى عليه الماء في الأرض كلِّها
وقد كان منه نبعُها ومَصابُها

وما كعبُ إسماعيل أندى وإنما
إلى رُتبةٍ في الخلدِ أحرى طِلابُها

وكائن يُرى أن قد تَنَكَّسَ جانبٌ
لديه فنفسٌ لا يُذامُ جَنابُها

على الأرض ملقِيًّا تَفيضُ دماؤهُ
وقد كان من جَوفِ النّبيِّ انصبابُها

تراه بناتُ الوحي شِلوًا مُقطَّعًا
يجودُ بنفسٍ حان منهُ انتِهابُها

ولو كُفَّ عنهُ ماتَ مما أصابَهُ
وأُطفِأ من روحِ البتولِ شهابُها

ولكن أبَوا والله إلا بمُثلَةٍ
لِيقضي كَمثلِ الشَّاءِ جُزَّت رقابُها

فأضحى وشمرٌ باركٌ فوق صدره
وأوداجُهُ بالأرضِ يَجري خِضابُها

ورأسٌ له في شاهقِ الرمحِ شاخصٌ
وما تلك إلا الشمسُ عالٍ نِصابُها

وجسمٌ على الرمضاء عارٍ دَعوا لهُ
غِلاظَ البَوَاني خِيْرَ منها جِرابُها

وقد أسلسوا للأعوجيات لُجْمَها
ونادى ابنُ سعدٍ فليَطئها كلابُها

فجالت على الجسمِ الشّريفِ وتَحتَه
توَقَّدُّ مِن صُمُّ الصخورِ صِلابُها

فهل بعد جُردِ الخيل والنَّبلِ والظُّبا
بقى منهُ شِلوٌ لم يَنَلهُ ضِرابُها

فيا أيها السجاد كيف دفنتَهُ
ولم يَبقَ عُضوٌ ما بَرَتهُ قِضابُها

كليم الحسين (ع) ١٤٤٥هـ – أنشدني في الحسين

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *