غزوة بني المصطلق



مجمل القول في غزوة المصطلق كما جاء في كتب السيرة المطهرة هي:


أن الحارث بن أبي ضرار دعا قومه خزاعة ومن في جوارحهم من الأعراب إلى غزو المدينة، ولما بلغ خبرهم رسول الله بعث بريدة بن الحصيب ليكشف له خبرهم فاستأذنه بريدة أن يقول ما يشاء لإنجاح مهمته فأذن له النبي (ص) ومضى بريدة إليهم: فقال الرجل منكم قدمت عليكم بعد ما بلغني أنكم تعدون العدة وتتأهبون لغزو هذا الرجل يعني بذلك النبي، فإذا صح الخبر فأنا معكم بمن أطاعني من قومي لنكون يداً واحدة عليه ولعلنا نستأصلهم.


فرحب الحارث به وطلب إليه التعجيل بمن معه من قومه، فرجع إلى رسول الله (ص) وأخبرهم بحالهم فندب رسول الله (ص) الناس إليهم لليلتين خلتا من شعبان كما جاء في كتب السيرة فأجابوه إلى ذلك وخرج معه في هذه الغزوة جماعة من المنافقين طمعاً في الغنائم وخرج رسول الله (ص) بمن معه حتى بلغ ماء يقال له المريسيع وكانوا قد تجمعوا عليه وأعطى راية المهاجرين في هذه الغزوة لعمار بن ياسر، وراية الأنصار لسعد بن عبادة وأصاب عيناً للمشركين كان قد وجهه الحارث ليأتيه بخبر رسول الله (ص) فعرض عليه النبي (ص) أن يسلم فأبى عليه فأمر بقتله، وزحف كل من الفريقين للآخر واحتدم القتال بينهما فقتل منهم عشرة ووقع الباقون في أيدي المسلمين أسارى، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد قتله بعض المسلمين خطأ.


وجاء في سيرة ابن هشام أن علياً (ع) قتل رجلين من بني المصطلق وأسرهم النبي (ص) مع نسائهم واستولى على مواشيهم وأموالهم، وكانت الإبل ألفي بعير والغنم خمسة آلاف شاة وأٍر مائتي عائلة ومن بينهم جويرية بنت الحارث، وحينما قسم رسول الله (ص) الغنائم وقعت في سهم ثابت بن قيس ابن الشماس، وكانت عزيزة في قومها.


ويدعي اين هشام في سيرته وابن كثير في تاريخه وغيرهما أنها كاتبته في فداء نفسها فأتت رسول الله (ص) تستعين به في فدائها، وحدث جماعة عن عائشة أنها قالت لقد رأيت جويرية على باب حجرتي فكرهتها وعرفت بأنه سيرى منها رسول الله (ص) ما رأيت من جمالها فدخلت عليه وقالت له: يا رسول الله (ص) أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن الشماس وقد جئتك أستعينك على كتابتي فقال لها أفهل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله (ص)؟ قال: أقضي عنك كتابتك وأتزوجك فرحبت بذلك، وتم زواجه منها بعد أن أعتقها كما جاء في بعض المرويات.


ولما بلغ المسلمين حديث زواجها من رسول الله (ص) أرسوا من كان بأيديهم من الأسرى، وهم أكثر من مائة أهل البيت كانوا لا يزالون في أيدي المسلمين بدون فداء على حد تعبير الرواة، وعقب على ذلك اين هشام بأنه لا يعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها إلا أنها كانت السبب في اسلامهم وخلاصهم من الأسر.


وقيل أن أباها جاء إلى النبي (ص) يطلبها منه فردها عليه ثم تزوج منها وقيل غير ذلك.


وقد أدرك المسلمون في هذه الغزوة نصراً مظفراً بدون أن يكلفهم سوى قتيل واحد قتله أحد المسلمين خطأ كما ذكرنا، ولم يحدث فيها ما يعكر صفو المسلمين سوى ما جاء في كتب السيرة من أن خادماً لعمر بن الخطاب كان يستقي من ماء المريسيع ازدحم على الماء مع مولى لبني عوف من الأنصار وكادا أن يقتتلا، فاجتمع الطرفان وكاد الشر أن يقع بينهما.


واستغل هذه الحادثة عبدالله بن أبي وكان في جماعة المنافقين، وفيهم زيد بن الأرقم، وهو غلام حدث، فقال ابن أبي لقد كاثرونا في بلادنا، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن منها الأعز منها الأذل، وأقبل على قومه يحثهم ويحرضهم على التنكر للرسول وأصحابه، فذهب زيد بن الأرقم وأخبر الرسول بما سمع من عبدالله بن أبي وعنده عمر بن الخطاب، فدعا إلى قتل عبدالله بن أبي فأنكر عليه النبي (ص) ذلك وقال له يا عمر أتريد أن يتحدث الناس بأن محمداً قتل أصحابه، ثم أمر بالرحيل في ساعة لم يكن ليرحل بها لولا تلك الحادثة، ومشى بالناس طوال الليل وشطراً من اليوم الثاني حتى آذتهم الشمس فنزلوا وقد أنهكهم السير، فلما استراحوا تابع مسيرته إلى المدينة ونزلت سورة المنافقين كما جاء في تاريخ ابن خلدون.


ولما سمع عبدالله بن أبي بمقالة أبيه تبرأ منه وجاء إلى النبي (ص) وقال يا رسول الله (ص) أنت والله الأعز وهو الأذل: وإن شئت أخرجته من المدينة، ثم اعترض أباه قبل دخولها وقال له: والله لا يدخلها حتى يأذن لك رسول الله (ص) فأذن له النبي (ص) ودخلها مع الناس ثم قال ولده عبدالله: بلغني يا رسول الله (ص) أنك تريد قتل أبي وإني أخشى أن تأمر أحداً بقتله فتدعوني نفسي إلى الثأر منه: وإن قتلت قاتله أكون قد قتلت مسلماً بكافر، ولكن مرني بذلك فأنا والله مستعد لأن آتيك برأسه فجزاه رسول الله (ص) خيراً وقال له: لا يصل إلى أبيك سوء أبداً ولنحسنن صحبته ما دام أظهرنا.


وجاء في المرويات أن جماعة قالوا لعبدالله بن أبي: اذهب إلى رسول الله (ص) ليستغفر لك فلوى رأسه ترفعاً واستخفافاً بذلك القول ونزلت الآيات من سورة المنافقين بهذه المناسبة: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون*سواء عليهم استغفرت لهم أو لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين}(المنافقون5).


ويدعي المؤلفون في سيرة النبي (ص) أن النبي (ص) بعد أن أسر بني المصطلق وتزوج جويرية ابنة زعيمهم وترك المسلمون ما بأيديهم من الأسرى تكريماً لها أسلم زعيمهم الحارث وأخذ الإسلام ينتشر بينهم، وبعد عامين من اسلامهم كما جاء في تاريخ ابن خلدون بعث النبي (ص) الوليد ين عقبة بن أبي معيط ليجبي صدقاتهم فخرجوا يتلقونه فخافهم على نفسه فرجع إلى رسول الله (ص) وأخبره أن القوم قد هموا بقتله وامتنعوا على إعطائه الصدقات فأكثر المسلمون الحديث عنهم وأشاروا على النبي (ص) بغزوهم ثانية، وظلوا يلحون على رسول الله (ص) حتى هم بذلك، وفيما هم في الحديث عن غزوهم وإذا بوفد منهم أقبل على المدينة ليبين للنبي حقيقة ما جرى، وحلفوا له بأنهم لا يزالون على اسلامهم وقد خرجوا لاستقباله لا لقتله كما يدعي الوليد بن عقبة.


ونزلت الآية من سورة الحجرات لتؤكد للنبي صدقهم وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين*واعموا أن فيكم رسول الله لو يعطيكم في كثير من الأمر لعنتم}(الحجرات6).


وفي مجمع البيان المجلد الخامس بعد أن نقل القول الأول في نزول الآية قال وقيل أنها نزلت فيمن لرسول الله أم مارية أم إبراهيم يأتيها ابن عم لها قبطي، فدعا رسول الله (ص) علياً وقال له: يا أخي خذ هذا السيف فإن وجدته عندها فاقتله فقال علي (ع) يا رسول الله (ص) أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة أمضي لما أمرتني به أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فقال بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.


قال علي (ع) فأقبلت متوحشاً بالسيف فوجدته عندها فاخترطت السيف فلما عرف أني أريده صعد إلى نخلة ثم رمى بنفسه وشفر برجليه فإذا هو واجب أمسح ما له مما للرجال قليل أو كثير، فرجعت وأخبرت النبي (ص) بذلك، فقال الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت ونزلت الآية.


... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *