ملوك عصره


عاصر صلوات الله وسلامه عليه وعلى ابائه وابنائه الطاهرين سبعاً من خلفاء بني العباس : المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، الذي ملك خمس سنين وسبعة أشهر ، وبعده ملك المتوكل أربع عشرة سنة ، ثم المنتصر الذي كان ملكه ستة أشهر ، ثم أحمد بن محمد المستعين ، الذي كان في أكثر أيامه مشتغلاً بالحرب والمنازعة مع المعتزلة ، وكانت مدة ملكه أربع سنين وشهراً ، ثم خُلع بعدها ، وبويع المعتز بن المتوكل الذي استشهد الإمام (ع) في عهده .


حياته بشكل عام وروابطه مع ملوك عصره 


في عهد المعتصم سنة 220 هـ عندما استشهد أبوه (ع) في بغداد بواسطة السم الذي دس إليه ، كان الإمام العاشر (ع) في المدينة المنورة كما اسلفنا ، نال منصب الإمامة بامر من الله تعالى ووصية اجداده ، فقام بنشر التعاليم الإسلامية حتى زمن المتوكل .


لقد كان جميع الملوك الذين عاصرهم الإمام الهادي (ع) يهابونه ويحذرونه ويخافونه ويكرهونه – كما لأسلافهم مع أبائه – لفرط ما كان له ولهم من محبة وإجلال في نفوس الناس .


وكان أشد هؤلاء الملوك كرهاً لآل البيت ولعلي بن ابي طالب (ع) خاصة ، المتوكل ، بل لعله أشد ملوك بني العباس قاطبة ، كرهاً للإمام علي وابنائه (ع) ، وكان يعلن عداءه وتنفره لعلي (ع) فضلاً عن الكلام البذي الذي كان يتفوه به أحياناً ، وكان قد عين شخصاً يقلد أعمال الإمام علي (ع) في مجالسه ومحافله ، ويستهزئ وينال من تلك الشخصية العظيمة .
وأمر بتخريب قبة الإمام الحسين (ع) وضريحه والكثير من الدور المجاورة له ، وأمر بفتح المياه على حرم الإمام الحسين (ع) وقبره ، وابذل أرضها إلى أرض زراعية كي يقضي على جميع معالم هذا المرقد الشريف .


وفي زمن المتوكل اصبحت حالة السادة العلويين في الحجاز متدهورة ويرثى لها ، كانت نساؤهم تفتقر إلى ما يسترها ، والأغلبية منها كانت تحتفظ بعباءة بالية ، يتبادلها في أوقات الصلاة لأجل إقامتها ، وكان الوضع عن هذا في مصر بالنسبة إلى السادة العلويين .


ومن الإهانات التي وجهها المتوكل لأهل البيت (ع) . أنه استجعى الإمام الهادي (ع) في السنة العاشرة من خلافته واشخصه من المدينة إلى سر من رأى ، وكان سبب ذلك تهمة افتراها عليها بعض اعدائه ، فوجه المتوكل يحيي بن هرثمه ومعه ثلاثمائة رجل للمدينة المنورة ، ومعهم رسالة إلى الإمام (ع) يدعوه فيها إلى موافاته في سامراء ، واوصى يحيى بتفتيش دار الإمام (ع) ليضبطوا ما فيها من أسلحة وأدوات وعدة حرب ، كما أوصاه بنقل الإمام في غاية الإجلال والتبجيل والإحترام خوفاً من الشيعة والرأي العام .


فلما وصل ” يحيى ” إلى الإمام (ع) وجده جالساً يقرأ القرآن ، ولم يجند الجند في بيته (ع) سوى مصاحف وكتب أدعية ، فأكبره القوم وأحترموه ، ولما سلمه يحيي كتاب المتوكل استجاب الإمام (ع) واستمهل ثلاثة أيام استعداداً للخروج .


ولما علم الناس في المدينة المنورة بغرض يحيى من زيارة الإمام (ع) هاجوا عليه هياجاً عظيماً ، فجعل يحيى يسكنهم ويسكن روعهم ، وخرج الإمام (ع) معه ، وظهرت منه في الطريق معاجز كثيرة ، حتى دخل (ع) سامراء سنة ثلاث وثلاثين ومأتين من الهجرة المباركة .


فلما دخل الإمام (ع) سامراء احتجب المتوكل عنه ، ولم يعين داراً لنزوله (ع) حتى اضطر الإمام (ع) إلى النزول في “خان الصعاليك ” وهو محل نزول الفقراء من الغرباء ، فدخل عليه صالح بن سعد وقال للإمام (ع) : جعلت فداك : في كل الأمور ارادوا إطفاء نورك والتقصير بك ، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع ؟ فأوما الإمام (ع) بيده فإذا بروضات أنقات وأنهار جاريات ، وجنات فيها خيرات عطرات ، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون ، فحار بصر صالح ، وكثر عجبه فقال الإمام (ع) له : هذا لنا يا بن سعد لسنا في خان الصعاليك .


ثم افرد المتوكل بعدئذٍ داراً للإمام (ع) فانتقل إليها ، وجعل اللعين ليلاً ونهاراً يسعى في إداء الإمام (ع) والعمل على تحقيره وتصغيره بين الناس ولكن دون جدوى ، حتى جعل يعمل التدابير والحيل لقتله (ع) إلا أنه لم يتيسر له ذلك ، وهكذا ظل دأبه مدة اربع سنين إلى أن كثرت وقاحته وزاد كفره ، وإظهار نصبه وعداوته علناً ، حتى دعا عليه الإمام الهادي (ع) فقتل في اليوم الثالث من دعائه (ع) ليلة الأربعاء لأربع خلون من شهر شوال سنة سبع وأربعين ومائتين للهجرة الشريفة علي يدي باغر التركي بمعاونة المنتصر ووصيف التركي ، وقتلا هو وخادمه الفتح بن خاقان اللذين كانا سكرانين ثملين ، وانتقل إلى مقره من جهنم وبئس المصير ، وكان ذلك في السنة السابعة والعشرين من إمامته (ع) .


وهكذا كان حال الملوك الذين تولوا الملك بعد المتوكل ، وقد نسب إلى كل الخلفاء الثلاثة الذين تولوا الملك بعده أنهم دسوا االسم للإمام (ع) ليتخلصوا منه ، وليس ذلك ببعيد عنهم .
ولكنهم كانوا أخف وطأة على الإمام وشيعته بسبب منازعاتهم الفقهية والفلسفية والكلامية مع المعتزلة وسواهم .

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *