غزوة ذات الرقاع


لقد اطمأنت المدينة بعد إجلاء بني النضير عنها أذلاء صاغرين، وضعف أمر المنافقين الذين كانوا يتآمرون مع اليهود عل النبي وأصحابه، وأصبح عبدالله بن أبي بن أبي سلول خائفاً يترقب اليوم الذي يلاقي فيه هو وأتباعه مصير أحلافه اليهود، وكانت المدينة لثلاثة أشهر تبدو عليها الطمأنينة ويخيم عليها السكون والهدوء، وبمضي أيام قلائل من جمادى الأولى من تلك السنة كما جاء في تاريخ الطبري وأكثر المؤلفات في السيرة بلغه أن بني محارب وبني ثعلبة من غطفان يعدون العدة لغزوه فخرج إليهم في أربعمائة من المسلمين، وقيل في سبعمائة، واستخلف على المدينة أبا ذر الغفاري كما جاء في سيرة إبن هشام وقيل غيره.


ولما بلغ ذات الرقاع وهي محلة فيها جبل فيه سواد وبياض وحمرة لقي جمعاً عظيماً من غطفان قد تأهبوا لحربة واستعدوا لقتاله كما جاء في رواية الطبري، فتهيب كل الفريقين الآخر، ولم يحدث بينهما قتال، وشرع الله صلاة الخوف في ذلك الموقف، فصلى النبي (ص) بأصحابه ركعتين ركعتين، بعد أن صلى نحو من نصفهم معه ووقف الباقون يحرسهم من عدوهم، وبعد انتهائهم صلى الله عليه وآله وسلم بالباقين أيضاً، ولم يذكر أحد من المؤرخين أنه وقع بين الطرفين قتال في هذه الغزوة، كما وأنه لم يذكر أحد بأن المسلمين قد غنموا فيها سوى ابن سعد في طبقاته فقد جاء فيها أن النبي مضى في طريقه حتى انتهى في طريقه حتى انتهى إلى محلاتهم فلم يجد بها أحداً غير النسوة فأخذهن وفر الرجال والأعراب إلى رؤوس الجبال.


وذكر ابن سعد هذه الغزوة بعد بدر الموعد وذكرها غيره من المؤلفين في السيرة قبلها. ويدعي هيكل في كتابه حياة محمد والسيد الأمين في أعيان الشيعة، أن غطفان ومن معها لما رأوا النبي تفرقوا تاركين نساءهم أمتعتهم فحمل المسلمون منها ما استطاعوا ولا مصدر لهما سوى ابن سعد في طبقاته.


ومن الجائز أن يكون النبي قد غزاهم مرتين في وقتين مختلفين غنم منهم في إحداهما ولم يغنم في الأخرى.


وجاء في تاريخ أبي الفداء أن رجلاً من غطفان قال لقومه: ألا أقتل لكم محمداً قالوا بلى فحضر عند النبي (ص) فأخذه واستله، ثم جعل يهزه ويهم بضرب النبي ويهم بضرب النبي ويكتبه الله، ثم قال يا محمد ألا تخافني، فقال له النبي لا أخافك فإن الله يمنعني منك، ثم إن الرجل رد السيف إلى غمده وأعطاه للنبي (ص) فأنزل الله سبحانه بهذه المناسبة:


{يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون}


وقد ورد نظير هذه الحادثة في إحدى غزوات النبي لغطفان بواسطة دعثور بن الحارث أحد المعروفين بينهم بالفروسية والفتك في حدث ذكرناه سابقاً ومن الجائز أن يحدث في غزوة نظير ما حدث في سابقتها، كما يجوز أن يختلف الرواة في مكان وزمان الحادثة الواحدة كما نجد ذلك كثيراً في كتب السيرة والتاريخ ومرد ذلك التشويش الموجود في كتب التاريخ والسيرة إلى تأخير زمان التدوين عن حياة النبي (ص) وتلاعب القصاصين والرواة وعملاء الحكام بأكثر الحوادث خلال فترة التي كان التدوين فيها خاضعاً لسيطرة الحاكمين كما ذكرنا ذلك في كتبنا السالفة.


... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *