الشيخ عبد الزهراء الكعبي – 1327 – 1394 هـ


هو الخطيب الشهير الشيخ عبد الزهراء الكعبي بن الشيخ فلاح بن الشيخ عباس بن الشيخ وادي الكعبي .و هو ينحدر من أسرة عرفت بالفضل تنتسب إلى قبيلة (بني كعب) المنتهية إلى كعب بن لؤي بن وائل ، و قد نزحت من المشخاب و استوطنت كربلاء .


ولد خطيبنا في سنة 1327 هـ و نشأ دينية ، و أظهر شغفه في علوم اللغة و الدين ، فدرس العروض على الشاعر الكبير الشيخ عبد الحسين الحويزي و درس مبادئ العلوم على الشيخ علي الشيخ فليح الرماحي و درس الفقه و الأصول على العلامة الشيخ محمد بن داود الخطيب و أخذ المنطق على العلامة الشيخ جعفر الرشتي (1) .


خطابته : أخذ الخطابة على الخطيبين الشهيرين الشيخ محسن أبو الحب و الشيخ محمد مهدي الواعظ ثم برع في الخطابة براعة فائقة حتى اشتهر بها و أصبح من مشاهير خطباء العراق البارزين و كانت له مجالس عامرة في المساجد و المدارس و الدور و الأسواق في كربلاء و مدن العراق . كما سافر إلى خارج العراق كالبحرين و القطيف و الأحساء و غيرها ، و حاز على إعجاب المستمعين هناك ، لما له من دور متميز في هذا الفن و عرف بسجاياه الحميدة و طباعه الكريمة و جنوحه نحو الإنسانية .


أدبه : من خلال قراءتك لمقالاته المنشورة في المجلات الكربلائية كصوت المبلغين و غيرها تظهر لك قابليته الإبداعية و إثبات جدارته ، فكان من أئمة العربية طويل الباع ، حسن الاختيار ، غزير المادة . له اليد الطولى في النظم و النثر . و كفى بها شاهداً على علو همته ورفعة مقامه بين خطبائنا الأفاضل بما تركه من آثار نافعة و فوائد جمة ، و منها ديوان شعره المخطوط الموسوم بـ(دموع الأسى) إضافة إلى مخطوطات أخرى له محفوظة في مكتبته العامرة التي يزيد عدد كتبها على عشرة آلاف كتاب (1)


في شتى فنون المعرفة .


كان شاعراً مجيداً بالفصحى و العامية ، و لكن مقلاً ، و كثيراً ما كان يلقي نتاجه من على المنبر .


قال مؤرخاً بناء مسجد في كربلاء :


ذا مسجد أنفق في بناءه أكارم أهل علاً وسؤدد


سعى به (عبد الأمير) ذو العلا مَن قد سما بالعز هام الفرقد


و شاطرته في البناء عصبة ترجو بذاك الفوز يوم الموعد


يا داخلاً فيه اذكر الله هدى و بعده صل على محمد


و استغفر الله و أرخ قائلاً (شادوا على التقوى أساس المسجد)


1362 هـ


و لقد ابتكر الشيخ عبد الزهراء الكعبي قراءة (مقتل الحسين) بثوبه الجديد و اشتهر بقراءته أمام حشد هائل من الناس في صبيحة كل يوم عاشوراء (العاشر من محرم الحرام) من قلب مدينة كربلاء و يُقرأ القسم الأول منه من إذاعة بغداد و الاذاعات الأخرى .كما أن الفقيد كان يتلو القسم الثاني منه في الحسينية الحيدرية ، يوم العشرين من صفر (أي بمناسبة مرور أربعين يوماً من استشهاد الإمام) و كانت إذاعة بغداد و إذاعات أخرى تذيع ذلك سنوياً(3) .


و قد نذر نفسه لخدمة العلم و الدين و بث الوعي الإسلامي و التربية .


و من آثاره المطبوعة كتاب (الحسين قتيل العبرة) يقع في 184 صفحة طبع ثلاث مرات، الطبعة الأولى سنة 1970 م و الثانية سنة 1972 م و الثالثة سنة 1980 م .


و قد صدرت بعد وفاته (ذكرى خطيب كربلاء الشيخ عبد الزهراء الكعبي) بمناسبة مرور عشرين عاماً على رحيله . كتبه نخبة من أدباء كربلاء .


وفاته : انتقل إلى رحمة ربه مساء يوم الخميس 41 جمادى الأول سنة 1394 هـ و دفن في وادي كربلاء ، و أعقب و لدين هما : علي و عبد الحسين


 


ترجمه ثانية


الخطيب الشيخ عبد الزهراء الكعبي رحمة الله تعالى عليه


بين اليوم والأمس خطوات ولكنها اكبر من أن تقاس، فالكبار لا يقيمهم زمانهم فحسب، بل تبقى بصماتهم أثراً شاهداً ومنارات للأجيال تشع بنور القدسية والبهاء الذي استوحوه من نور الإمامة، من نور الإمام الحسين (عليه السلام).


اعتدنا أن نقدم لزوارنا الأعزاء في باب (شخصية العدد) إحدى الشخصيات المنبرية المعاصرة لنواكب المسيرة الخطابية عبر تاريخها الطويل، واليوم آثرنا أن نتوقف قليلاً عند بداية المنبر الحسيني في العصر الحديث، وعند رمزه الأول، الذي ما أن يذكر اسمه حتى يذكر الإمام الحسين (عليه السلام)، وما أن تذكر تلك المصيبة حتى يذكر هذا الشيخ الجليل.


إنه تاريخ الدمعة والثورة والأدب والقدوة الحسنة لخطبائنا في هذا العصر، إنه الخطيب الشهيد الشيخ عبد الزهراء الكعبي الكربلائي.


اسم على مسمى

بذكرى مولد الصديقة الزهراء (عليها السلام) في الخامس عشر من شهر جمادي الأولى في عام 1327 هـ ولد الشيخ عبد الزهرة الكعبي في كربلاء المقدسة، وبذكرى وفاتها في الخامس عشر من شهر جمادي الأولى أيضاً عام 1394 هـ الموافق 6/6 /1973 وفد على ربه آمناً مطمئناً، وبين الولادة والوفاة مسيرة أمدها سبعاً وستين عاماً حافلة بالعطاء والعظمة وكأن الإرادة الإلهية شاءت أن تنطلق هذه المسيرة المظفرة مع الزهراء وولائها حتى أصبح عبد الزهراء اسماً على مسمى وكأن فيه قول القائل:


يا قوم قلبي عند زهراء *** يقصده السامع والرائي


لا تــدعني إلا بيا عبدها *** فإنـــــه أشرف اسمائي


نسبته وأسرته


هو أبو علي الشيخ عبد الزهراء بن الشيخ فلاح بن الشيخ عباس بن الشيخ وادي الكعبي ينتسب إلى قبيلة بني كعب المنتهية إلى كعب بن لؤي بن وائل، وقد نزحت أسرته من المشخاب واستوطنت كربلاء



دراسته وخطابته


تعلم مبادئ القراءة والكتابة بالطرق التقليدية عند الكتّاب وحفظ القرآن كله في سن مبكرة عند الشيخ محمد السراّج في الصحن الحسيني الشريف، ثم تلقى علومه الدينية في حوزة كربلاء على أفاضل الأساتذة وطلائع العلماء، فقد أخذ أوليّات العلوم على العلاّمة الشيخ علي الرمّاحي، ثم درس الفقه وأصوله على يد العلاّمة الشيخ محمد الخطيب، وتتلمذ في المنطق على الشيخ جعفر الرشتي، وفي علم العروض على الشيخ عبد الحسين الحويزي، ثم أصبح هو من أساتذة الحوزة النابهين يلقي دروسه في الفقه الإسلامي واللغة العربية على مجموعة من طلبة العلوم الدينية.


أما خطابته فقد تلقاها عن خطيب كربلاء الشهير الشيخ محسن أبو الحب، والخطيب المؤلف الشيخ محمد مهدي المازندراني ومارس عمله بإتقان وإخلاص حتى أصبح من أبرز الخطباء العراقيين ومن أساتذة المنبر المبرّزين، وقد تخرج عليه جيل من خطباء المنبر الحسيني كان في طليعتهم الخطيب الشهير الشيخ عبد الحميد المهاجر والشيخ ضياء الزبيدي والشيخ علي حيدر والشيخ أحمد معرفة وغيرهم من الجيل المعاصر وذكر أحد تلامذته أن أكثر من خمسين خطيباً تأثروا بأسلوبه وطريقته في الخطابة، وكان يحرص على إعداد جيل من الخطباء متسلّح بثقافة دينية صحيحة وكان ينفق جل وقته في توجيه وتربية الخطباء الناشئين ويغدق عليهم بسخاء من مكارم أخلاقه وما يحتاجونه من خبرة منبرية واسعة.


كان شيخنا المترجم له خطيباً مربياً مخلصاً في خدمته لسيد الشهداء، ثنيت له وسادة المنبر الحسيني في كربلاء، ثم دعي خطيباً لإحياء المواسم الحسينية في كل من الكويت والبحرين والإحساء والقطيف ولبنان وغيرها، وذاع صيته الأرجاء بقراءة المقتل الحسيني الشهير.


 


الكعبي والأدبي العربي

يتبادر إلى الذهن عندما يذكر الشيخ الكعبي (مقتل الحسين)، وخطابة المنبر إلا أن للشيخ الخطيب باع طويل في الأدب العربي بقسميه الفصيح والدارج، فقد ذكر المرجاني في كتابه خطباء المنبر أن له ديوان شعر تحت عنوان: (دموع الأسى) لا يزال مخطوطاً في مكتبته بكربلاء، ولا يعلم إذا اعتراه التلف أو الضياع في ظل الظروف الراهنة، ومن نماذج شعره قال مؤرخاً مسجداً في كربلاء:


ذا مسجد قد جددت بنـــــــاءه *** أكارم أهــــــــل عـــــلا وســــــؤدد


سعى به عبد الأمير ذو العلى *** من قد سما بالـــعز هــــام الفرقـــد


وشاطرته في البنــاء عصبـة *** ترجو بذاك الفوز يــــــوم الموعـــد


يا داخلاً فيه اذكر الله هـــدى *** وبعــــــده صلّـــــي علـــى محـــــمد


واستغفر الله وأرّخ قـــــــائلاً *** شــادوا على التقوى أساس المسجد


ويقول في مدح الإمام الصادق (عليه السلام):


لأبي الكاظم الإمـــــام أيــادٍ *** ســــــابقات تعــمّ كل البرية


أظهر الله فيه شـــرعة طه *** بعد إخفائها فعــادت بهــــية


رويت عنـــه للأنــام علوم *** هي كانت من قبل ذاك خفية


فحفظنا تلك العلوم ومن ذا *** قد عرفنا بالفرقة الجـعفرية


ويقول في قصيدة في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام):


خليفة طه في الــــــبرية حيــــدرُ *** وليس سواه في الأنام أميرُ


إذا امتار أهل الأرض كيلاً فإنني *** ســوى حبهِ تاللهِ لستُ اميرُ


وقد نشرت له مجموعة من المقالات في مجلة صوت المبلغين الكربلائية، وله مكتبة ضخمة تربو على العشرة آلاف كتاب، وليس له تأليف مطبوع سوى المقتل.


المحطة الأخيرة


في ليلة الجمعة بكربلاء سكت صوت الكعبي فجأة، ذلك الصوت الذي كان للتو يجلجل ناعياً أم الأئمة بمجلس عزائها، وتعطلت تلك الحنجرة الخارقة التي تصدح بحزن في مصاب سيد الشهداء (عليه السلام) لنصف قرن من الزمن، وتوقف ذلك القلب الطيب العطوف، واطفأت تلك الروح المتوثبة، وخمدت تلك الشعلة الحسينية المتوهجة. لقد هجمت عليه المنية، وباغته ريب المنون، بعد أن حضر مجلس الفاتحة لأحد معارفه، وارتقى المنبر يؤبن الزهراء (عليها السلام) بذكرى وفاتها، وبعد فراغه أحس بدوار واضطراب نفسي شديد نقل على أثره إلى المستشفى الحسيني، وبعد إسعافه عادوا به إلى داره في حي الحسين، وهناك صعدت روحه إلى بارئها، ولفظ نفسه الأخير، والتحق بركب الحسين (عليه السلام) مع الشهداء والصديقين.


وفي صبيحة الحدث الجلل والخسارة الفادحة هبت كربلاء عن بكرة أبيها، وزحفت الجماهير من كل حدب وصوب لتشيع خطيبها المعظّم، فحملت نعشه على الرؤوس ورفعت جنازته على الأكف، وكان يوماً مشهوداً ضجت به الناس ضجّة واحدة، وحنّت حنّة ثاكلة تشيعه الدموع الساخنة، والزفرات اللاهبة، وأصوات تسجيلاته تخترق الأفق نعياً وحزناً حتى أنزلوه في مثواه الأخير في مقبرة كربلاء فإلى روح وريحان وجنة نعيم، وسلام عليكم أبا علي وعلى روحك الطيب وجسدك الطاهر، طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم وفزتم والله فوزاً عظيم


المصادر


(1) خطباء المنبر الحسيني ج2 ص188.


(2) معجم الخطباء، الجزء الأول. داخل السيد حسن

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *