كلمة من أجل الحقيقة


 


بقلم: عبد الله المدني


 


كثيراً ما تقدم في “المواقف” الملاحظات والنقد البناء للقائمين على المصالح العامة المختلفة، وكثيراً ما نبرز مواضع النقص والخطأ في المؤسسات العامة، كي يكون ذلك حافزاً ومنبهاً لإصلاح الخطأ لتؤدي تلك المؤسسات واجبها لصالح المجتمع ، وكثيراً ما تذهب ملاحظاتنا وتنبيهاتنا أدراج الرياح دون ما مستمع لها من قبل الجهة المعنية، إن لم نقابل بالتشنج وبرود الفعل (الصامتة) وذلك لأن المؤمنين بحرية الرأي وبتقبل النقد من أجل البناء يعدون بالأنامل.


 


وقليلون هم الذين يتفهمون لدور الصحافة ورسالتها في المجتمع فيهتمون ويعتنون بما يكتب عنهم، ويتصلون بنا كي تكون النقاط واضحة وجلية، لا لأنهم يعترضون على إبداء الملاحظات عنهم ولكن رغبة في أن يتحاشوا مواضع النقص والخطأ في أعمالهم ولجعل الروابط بينهم وبين المجتمع قوية ووثيقة.


 


من أولئك القلة المتفهمة المسئولون عن أمن البلاد وعلى رأسهم الشيخ محمد بن خليفة الخليفة وزير الداخلية الشاب، فبعد أن نبهنا في العدد الماضي إلى نقاط وقضايا من اختصاص وزارته أمر جميع مدراء الأقسام والعلاقات العامة في وزارة الداخلية بأن يوافوه بتقارير تلك القضايا المشار إليها في “المواقف”.


 


وفي لقائي معه في مكتبه قال نحن لا نعارض أن تكتب الصحافة ما تراه من ملاحظات ولكن نود أن يكون المواطن متفهماً لدورنا، ولو اتصلتم بنا قبل الكتابة لأطلعناكم على حقيقة تلك القضايا فقد أمرت مدراء الأقسام أن يوافوفي بتقارير تلك القضايا التي تذكرتها إلا أنهم لم يستطيعوا تحديد القضية الأولى والثانية، لم يستطع مدراء الأقسام تحديدها ومعرفة مكان وقوعها وتاريخها لأن المقال تطرق إليها دون أن يحددها بالضبط، أما عن القضية الثالثة فإن سعادة الوزير رفع سماعة التلفون أمامي وأتصل بالمسئول عن مركز شرطة الخميس وسأله عما تم في خصوص هذه القضية وأجب المسئول بصوت أسمعه”لقد أوقفت الشرطة ثلاثة من العمال الهنود الذين اعتدوا على المواطن بالضرب من مدة ثلاثة أيام وتم الإفراج عنهم بعد ذلك تحت كفالة مالية بأمر القضاء كما قدمت الشرطة خمسة آخرين من العمال الهنود وأفرج عنهم القاضي بعد أخذ كفالة مالية وأن القضية جاهزة لتقديمها للمحاكم” وقال لي الوزير إلى هنا تنتهي مهمتنا عندما نوقف الجاني ونأخذه للقاضي فيأمر بإطلاق سراحه، وفي بعض القضايا التي نرى أنها بسيطة ولا تستدعي التوقيف ولكن قد يكون لدى الأمن خلفيات أخرى يكون التوقيف ذا أهمية في القضية.


 


وقال: إننا نعامل الجميع بمنظار واحد وليس عندنا تفرقة في المعاملة، إن تعليمات سمو الأمير وسمو رئيس الوزراء لنا هي أن نطبق جميع الإجراءات والقوانين على أفراد العائلة الخليفية إذا بدر من أحدهم ما يوجب ذلك، إلى جانب هذا فإن مجلس الأسرة الخليفية حريص على أن لا يسيء إلى سمعة الأسرة أي فرد من أفرادها لذلك فالمجلس يتخذ من جانبه إجراءات قد تكون أشد من لو أن القضية ذهبت للقضاء. أما بخصوص القضايا التي ذكرتها فإنه يهمنا أن يكون المواطنون على اطلاع على حقيقتها لا من أجل أن نرد ولكن من أجل تكون الأمور واضحة أمام المواطنين.


 


ومن القليلين أيضاً الذين يعتنون ويهتمون لما يكتب من نقد في الصحافة المسئولون في شركة ألبا، ففي الأعداد الماضية نشرنا رسالة من أحد المواطنين ذكر فيها أن بعض الأجانب الأوربيين الذين يتقاضون الرواتب العالية من المؤسسات لا يقومون بالواجب لهذا البلد الذي استضافهم. ومن أولئك أن احد الهولنديين في مؤسسة شبه حكومية يتجاهر بتأييده للصهيونية ومعاداته للعرب، بعد نشر هذه الرسالة التي بي المسئول عن العلاقات العامة في شركة ألبا وقال: إننا على أتم الترحيب لبحث أي نقاط هي موضع شكوى المواطنين كي نأخذ بالشركة إلى الأفضل، وبعد أيام جاءني في مكتبي بالمجلة موظف هولندي يعمل بشركة ألبا يستفسر إذا كانت رسالة المواطن المنشورة في المواقف يعنى بها هو كان قلقاً جداً أن ينسب إليه مثل هذا الكلام واجبته بأن الشركة المشار إليها ليست شركة ألبا فإذن ليس هو الشخص الهولندي المعني ولمزيد من التأكيد طلب مني أن أكتب ذلك على ترجمة لتلك الرسالة باللغة الإنجليزية ففعلت ما أراد.


 


هذه نماذج من أولئك القلة التي تبادر بالاتصال المباشر بالصحافة لتستوضح عما يوجه إليها من نقد ولم تعط الأذن الصمخة لما يقال عنها، فليت كل مسئول في وزارات الدولة يعتني ويتصل بالصحافة لتوضيح ما يكتب عنه لإصلاح موضوع النقد والتنبيه, وليت كل المؤسسات كشركة ألبا والعاملين فيها يباشرون الاتصال بالصحافة لإصلاح مواضع الخطأ في مؤسساتهم.


 


بقى أن نشير إلى أن مشاكلنا نحن في الصحافة إننا كثيراً ما نسوق أمثلة عمومية وقضايا غير محددة بالاسم والمكان فتنسبها أكثر من جهة لنفسها وقد لا تكون هي المعنية وتتركها الجهة المعنية لأنها غير محددة وموضحة.


 


ترى ما الذي يدعونا لذلك، هل هي أمور تتعلق بفن المقالة الصحفية، أم الاعتبارات خارجة عن موضوع النقد، أم مزيج من هذا أو ذلك وهو الأقرب.


 


المصدر: مجلة المواقف – العدد127 – 26 أبريل 1976م

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *