قال أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب (عليه السلام)
(ما أضمر أحدكم شيئاً إلا أظهره الله في فلتات لسانه، وصفحات وجهه)

مفردات الكلمة
1 – الإضمار: كتمان السر وغيره في الضمير، وهو الذهن والعقل
2 – الفلتات: جمع فلتة، وهي وقوع الأمر بغتة من غير اختيار، ولا تروٍ وتدبرٍ
3 – صفحات الوجه: المراد بها جوانب الوجه

المقصود بهذه الكلمة
أن الاعتقادات أو غير ذلك من الأمور التي يضمرها الإنسان ويحافظ عليها، ويراعي سترها عن إطلاع الغير عليها؛ إما لمصالح متصورة، أو مقاصد اختيارية، سواء كانت نافعة أو ضارة، فإنها وإن بولغ في مراعاة حفظها، واجتهد الإنسان في عدم إطلاع الغير عليها لا بد وأن تظهر
ونبه الإمام (عليه السلام) على سببين من أسباب الظهور، وحكم بأنه لا بد وأن تظهر بأحدهما مع تلك المحافظة

الأول: فلتات اللسان
وهذا السبب يمكن أن يكون بأحد طريقين
1 – إما أن تنصرف النفس، وإن كان لها عناية بحفظ ذلك الأمر المضمر، إلى أمر مهم آخر فتنفعل حينئذ عن ملاحظة وجه المصلحة في كتمانه، وسبب وجوب ستره، فتنفلت المخيلة من أسر العقل العملي، فتلوحه وتبعث الشهوة إلى التكلم به من غير أن يكون للنفس شعور بشعورها به، وذلك معنى كونه فلتة.
2 – وإما أن يتلفظ المضمر بكلام يكون مستلزماً للإيماء، أو التنبيه على ذلك المعنى المضمر، والمتكلم غافل عن ذلك الإيماء، وغير عالم بكيفية التنبيه من ذلك الكلام على مضمره، والسامع ذو حدس قوي فيقع له الإطلاع على ذلك المضمر مع شدة الاعتناء بستره.

الثاني: صفحات الوجه
وذلك إشارة إلى القرائن والأمارات المستلزمة لإظهار المكتوم، كما يدل تقطيب الوجه، والعبوس، والإعراض عن الشيء من معتاد البشاشة، على بغض ذلك الشيء، وانبساط الوجه والفرح به، والإقبال عليه على محبته، وكما تدل الصفرة العارضة للوجه حال نزول الأمر المخوف على إضمار الوجل، والحمرة العارضة عند نزول أسبابها، كمشافهة من يتستر من فعل القبيح على حال فعله ومواجهته به على الخجل، وكدلالة عرق الوجه، وغض الطرف على الحياء، وكدلالة الملاحظة بالبصر على وجه مخصوص على العداوة، وعلى كثير من الأمور النفسانية، وأمثال ذلك من القرائن التي تكاد لا تتناهى.
فهذه الأمور وأمثالها وإن اجتهد في إخفائها فلا بد وأن تلوح من السببين المذكورين.

ماذا نفيد من هذه الكلمة
في هذه الكلمة تنبيه للعاقل على أنه لا ينبغي أن يضمر من الأمور إلا ما لو اطلع عليه منه لما كان مستقبحاً في العرف، ولما نفر طبعه من المواجهة به، فإنه إن أضمر أمراً يستقبحه الخلق، ويستنكر فيما بينهم لو اطلعوا عليه – ولابد من الاطلاع عليه للأسباب المذكورة- لم يسلم من الافتضاح، وكان وقته مشغولاً بالقبيح، أما في مدة إضماره وستره فبالمحافظة عليه واشتغال النفس به عن السعي في مصالحها الكلية، وأما بعد ظهوره فبمعاناة الخلاص من عاره، والتألم من المواجهة به، والندم والتأسف على إيقاع ما استلزم إظهار ذلك، والجزع الذي لا يجدي نفعاً، ولا يعود بطائل. وكل ذلك منهي عنه؛ لأنه اشتغال الإنسان بما لا يعنيه.
وأما نسبة ذلك الإظهار إلى الله تعالى فلأنه مفيض الكل، وعلة العلل.
والحمد لله رب العالمين

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *