الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

فهذه مجموعة أحكام تتعلق بالربا، ووضع الأوراق النقدية، كتبتها رغبة في إزالة اللبس الحاصل عند بعض الناس، والله من وراء القصد.

يقع الربا على قسمين:

1) الربا في المعاملة.

2) الربا في القرض.

ولنأخذ في الكلام على كل واحد منهما بشيء من التفصيل:

القسم الأول

الربا في المعاملة:
وهو أن يبيع البائع على المشتري شيئاً مما يكال، أو يوزن، بعوض من جنسه مع زيادة في أحد العوضين على الآخر، سواء كانت الزيادة عينية أم حكمية.
ولا يختص تحريم الربا في المعاملة بالبيع وحده، بل يجري تحريمه في جميع المعاملات التي تشتمل على معاوضة بين عينين ربويتين إذا زاد أحد العوضين فيها على الآخر.

ومما تقدم يتضح أن الربا في المعاملة لا يثبت إلا مع وجود شرطين:
الأول: أن يكون العوض والمعوض عنه في المعاملة من جنس واحد في نظر أهل العرف.
الثاني: أن يكون العوضان فيهما مما يعتبر في تقديره عند بيعه الكيل أو الوزن.
والمدار في كون الشيء مكيلاً، أو موزوناً على ملاحظة العوض الذي جرت عليه المعاملة بنفسه، لا على ملاحظة أصله، فإذا كان بنفسه مما يكال أو يوزن، فهو ربوي لا يجوز بيعه بجنسه مما يكال أو يوزن أيضاً مع التفاوت بين العوضين في المقدار، وإن كان أصله غير مكيل ولا موزون.
وإذا كان العوض بنفسه غير مكيل، ولا موزون لم يجر فيه حكم الربا، وإن كان أصله مكيلاً أو موزوناً، فيجوز بيع الثوب بثوبين؛ لأنه غير مكيل ولا موزون، وإن كان أصله، وهو القطن، أوالكتان، أو الصوف موزوناً.
ويجوز بيع المسكوكات الفضية والنحاسية بعضها ببعض، وإن كانت تتفاوت في المقدار؛ لأنها معدودة، وليست موزونة، وإن كان أصلها، وهو الفضة والنحاس، موزوناً.

القسم الثاني

الربا في القرض.
والقرض هو أن يملك الإنسان غيره مالاً، ويضمّنه عوضه، مثله أو قيمته.
ولا يجوز للمقترض أن يشترط على المقترض دفع زيادة على عوض المال الذي اقترضه منه، سواء كان الشرط صريحاً مذكوراً في ضمن العقد، أم دلت عليه القرائن الحافة، فهو كالصريح، أم علم أن ذلك من قصد المتداينيين بحيث يكون عقد القرض بينهما مبنياً على هذا الشرط.وإذا شرط ذلك بطل الشرط خاصة، ولم يبطل عقد القرض عند بعض الفقهاء،ويحرم على المقرض أخذ الزيادة التي شرط عليها، لا يختص تحريم هذا النوع من الربا بما يكال أو يوزن من أجناس المال، بل يجري في مطلق ما يقترض من الأموال، حتى في المعدود منها، كالدراهم والدنانير، والعملات المسكوكة الأخرى، والأوراق التقدية، والجوز، والبيض.
ومما تقدم أعتقد أنه اتضح الفرق الأساسي بين الربا في المعاملة، والربا في القرض.

بيع الصرف:
وأما بيع الصرف، فهو كاصطلاح فقهي يراد به بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وبيع أحدهما بالآخر، سواء كانا مسكوكين للمعاملة بهما، أم غير مسكوكين.
وهذا البيع غير ما يسمى بالصرافة المتداولة في هذه الأيام، فإنها بيع الأوراق النقدية بعضها ببعض، وسيأتي بعض التفصيل في ذلك، فانتظر.
ويعتبر في صحة بيع الصرف التقابض قبل الافتراق.
إذا عرف ذلك، يحسن بنا أن نلقي الضوء على وضع الأوراق النقدية في كل من الأقسام المشار إليها سابقاً، فنقول:

1 – لا مانع من بيع الأوراق النقدية بعضها ببعض مع الزيادة؛ لأنها ليست من المكيل ولا الموزون، وعليه فالربا في المعاملة لا يقع في الأوراق النقدية، لفقد الشرط الثاني.
2 – لا يجوز أن يقرض المكلف غيره عدداً من الأوراق النقدية بشرط الزيادة، فإن ذلك من الربا في القرض المحرم؛ لأن تحريم الربا في القرض لا يختص بالذهب والفضة، ولا بالمكيل والموزون، بل يشمل حتى المعدود، كما تقدم.
3 – لا مانع من بيع الأوراق النقدية بعضها ببعض، ولا ينطبق عليها أحكام بيع الصرف من قبيل التقابض قبل الافتراق؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة.
نعم، لا يترك الاحتياط في بعض العملات التي يظن أن الدولة التي أصدرتها قد اعتبرت الذهب والفضة عوضاً للأوراق، وليس مجرد اعتماد، فإذا وقع البيع في هذه العملة بعضها ببعض فالأحوط أن يحصل التقابض قبل افتراق المتبايعين.
كما أن الأحوط أن لا يباع بعض هذه العملة ببعض مع الزيادة في أحد العوضين.
4 – لا تجب الزكاة في الأوراق النقدية؛ حتى لو قلنا بأن الدولة قد أعدت الذهب والفضة عوضاً عن الأوراق النقدية؛ وذلك لأنه يعتبر في الذهب والفضة اللذين يجب فيهما الزكاة أن يكونا مسكوكين للمعاملة بهما.
والحمد لله رب العالمين

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *